- ما بين منطقية العمليات الحسابية وتعقيد سلوكيات البشر تدور عملية تسعير المنتجات. يكمن اختيار السعر المناسب في الإجابة على سؤال: كيف اختار سعرًا ليس مرتفعًا للدرجة التي تؤدي إلى خسارة مبيعات
قيمة، وليس منخفضًا بالدرجة التي تؤدي إلى خسارة أرباح قيمة؟ ومن هنا تبرز مهمة استراتيجيات التسعير الإجابة عن هذا السؤال.
ما هي استراتيجيات التسعير؟
استراتيجيات التسعير هي طرق تستخدم لتحديد أفضل سعر للمنتج أو الخدمة، وهو السعر الذي يعظم الأرباح إلى أكبر مدى ممكن مع مراعاة الطلب والسوق. تستند استراتيجيات التسعير إلى العديد من العوامل الداخلية والخارجية معًا. من أمثلة العوامل الداخلية الخاصة بالشركة: أهداف الإيرادات، وأهداف التسويق، والجمهور المستهدف، ومكانة الشركة، وسمات المنتج. وتضع استراتيجيات التسعير في حسبانها أيضًا عوامل خارجية مثل الطلب على السلعة، وأسعار المنافسين، والاتجاهات العامة للسوق والاقتصاد.
مفاهيم أساسية قبل التسعير
أ. مرونة الطلب السعرية
يساعد مفهوم مرونة الطلب السعرية في فهم ما إذا كان المنتج أو الخدمة حساس لتقلبات السعر أم لا. وتعني مرونة الطلب السعرية حساب كيفية تأثر الطلب على المنتج بالتغييرات في السعر. فإذا استمر المستهلكون في شراء المنتج على الرغم من ارتفاع الأسعار مثل الوقود والعقارات، فهذا يعني أن ذلك المنتج غير مرن.
على الجهة الأخرى، تتأثر المنتجات المرنة من تقلبات الأسعار، مثل اللحوم والخضروات، إذ تشهد انخفاضًا في الطلب بمجرد ارتفاع الأسعار. ويتم حساب مرونة الطلب السعرية باستخدام المعادلة الآتية:
مرونة الطلب السعرية= النسبة المئوية للتغير في الكمية ÷ النسبة المئوية للتغير في السعر
ب. تحليل التسعير
تحليل التسعير هو تقييم استراتيجية التسعير الحالية بهدف التعرف على فرص تغيير الأسعار والتحسينات التي يمكن إجرائها. لا يقتصر تحليل التسعير إبان إطلاق منتج جديد أو اجراء اختبار تسويقي، بل من الحكمة أن تجري تحليلًا للتسعير دوريًا كل عام أو اثنين لتقييم أسعارك مقارنة بأسعار المنافسين، ولاكتشاف توقعات المستهلكين.
يمثل تحليل التسعير في هذه الحالات إجراءً وقائيًا لحماية الشركة من حدوث تدهور في المبيعات والأرباح، وفي كل الحالات يمثل ضرورة لاختيار استراتيجية تسعير جديدة أفضل. يمكن إجراء تحليل التسعير استنادًا إلى الخطوات التالية:
- تحديد التكلفة الفعلية للمنتج.
- فهم كيفية استجابة السوق المستهدف وقاعدة العملاء لهيكل التسعير بما يشمله من سعر وتخفيضات وعروض..إلخ.
- تحليل أسعار المنافسين.
- فحص القيود القانونية والأخلاقية التي قد تؤثر على التكلفة والسعر.
من أبرز استراتيجيات التسعير
سنتعرف الآن على مجموعة من أبرز استراتيجيات التسعير. للتنويه ليس ضروريًا أن تستخدم استراتيجية واحدة بمفردها، بل يمكن المزج بين أكثر من استراتيجية لتحديد أسعار منتجاتك.
1. التسعير على أساس التكلفة
التسعير على أساس التكلفة هي أسهل استراتيجية تسعير من الممكن تطبيقها. إذ تعني باختصار حساب تكلفة إنتاج المنتج ثم زيادة نسبة مئوية ثابتة على التكاليف للوصول إلى السعر النهائي. لحساب النسبة المئوية الثابتة يجب أن تحدد الشركة العائد المستهدف الذي تريد تحقيقه. على سبيل المثال:
لنفترض أن شركة إنتاج القمصان بدأت للتو نشاطها للبيع عبر الإنترنت، وتريد حساب سعر بيع القميص. ستتم عملية التسعير عبر الخطوات الأربعة التالية:
- التكلفة الإجمالية= التكاليف الثابتة (لا تعتمد على عدد الوحدات المنتجة) + التكاليف المتغيرة
- تكلفة الوحدة= التكلفة الإجمالية ÷ عدد الوحدات
- الزيادة= تكلفة الوحدة x نسبة الزيادة الثابتة (تحدد هذه النسبة بحيث تحقق عائدًا مقبولًا للشركة)
- سعر البيع النهائي= تكلفة الوحدة + الزيادة
تعتمد أنشطة البيع بالتجزئة كالبقالات والملابس على هذا النوع من استراتيجيات التسعير، بالإضافة إلى خدمات المرافق والمنتجات المصممة خصيصًا بناءً على مواصفات العميل. يتميز نموذج التسعير “زيادة على التكلفة” بثبات العائد الذي يحققه إذا لم تحدث تغيرات في التكلفة. ويحتاج إلى إعداد تقديرات دقيقة وشاملة للتكاليف، ومراعاة مرونة الطلب السعرية.
تكون استراتجية التسعير على أساس التكلفة حلًا مناسبًا عندما تحتاج الشركة إلى تمويل قصير الأجل، ويشيع استخدامها لضمان تغطية الإيرادات التكاليف وتجاوز نقطة التعادل لبدء تحقيق الأرباح. على الجهة الأخرى، يعيب هذه الاستراتيجية إهمالها لظروف السوق والعوامل الخارجية مثل الطلب وأسعار المنافسين ورأي العملاء بشأن فعالية المنتج، ولا تضمن بالفعل أن العملاء سيشترون المنتج بالسعر الذي تم تحديده.
2. زيادة متوسط سعر الصفقة
نادرًا ما ينجو أحد المستهلكين من هذه الاستراتيجية. تعني استراتيجية “زيادة متوسط سعر الصفقة”جذب العملاء لشراء منتج يحظى بطلب مرتفع بسعر مخفض مع تشجيعهم على شراء منتجات أخرى أكثر ربحية. على سبيل المثال، تخفيض سعر الهاتف المحمول مع تشجيع شراء الملحقات مثل سماعات الرأس والشواحن والحافظات التي تحقق هامش ربح كبير يغطي الخسارة الناجمة عن تخفيض سعر الهاتف.
يحقق هذا النموذج فوائد جمة لتجار التجزئة إذ يزيد عدد المبيعات الإجمالية لكل عميل. وعادة ما تضع المتاجر هذه المنتجات المخفضة -خاصة إذا كانت أساسية كالألبان والبيض والأرز وحفاضات الأطفال- بالقرب من باب الخروج بعد أن ينتهي العملاء من جولتهم بين المنتجات الأخرى.
في بعض الأحيان، قد يكون عرض المنتج المخفض في واجهة عرض (فاترينة) المحل خيارًا موفقًا لتعزيز سمعة المتجر وجذب المتسوقين الجدد. فمثلًا يعرض محل الأدوات الكهربائية تلفاز بسعر أقل من التكلفة، بحيث يستقطب زيارات من جمهور المتفرجين فتكون فرصة قد تنتهي بهذا الجمهور إلى شراء منتجات أخرى. ويتم تحديد سعر التخفيض بحيث يقل عن سعر التكلفة أو الحد الأدنى من العائد الربحي المطلوب، مع تحليل مستمر لحجم الخسارة والأرباح من أجل مراقبة أداء هذه الاستراتيجية وتجنب أي تدهور قد يؤدي إلى خسارة صافية إجمالية.
يتطلب نجاح نموذج التسعير هذا جملة من الاعتبارات، على رأسها، أن يكون المنتج المخفَض منتجًا يشتريه العملاء على الدوام لذلك يعرفون أن تخفيض سعره صفقة لا تفوت. كذلك يجب تقييد عدد عمليات الشراء للمستهلك الواحد للحد من الممارسات الضارة مثل: الشراء بكميات كبيرة للتخزين أو انتهاز تجار التجزئة الفرصة وشراء كميات كبيرة بهدف بيعها لاحقًا.
لا تحتاج المنتجات القابلة للتلف مثل: الفواكه والخضروات والمعجنات هذا التقييد إذ من الصعب على العملاء تخزين كميات كبيرة منها. فضلًا عن الاعتبارات السابقة، ينبغي عدم الإفراط في الاعتماد على هذه الاستراتيجية من استراتيجيات التسعير لكي لا يعتاد العملاء على الشراء في أوقات التخفيضات ويعزفون عن شراء المنتج بالسعر الكامل.
3. تخفيض السعر بمرور الوقت
يطلق على هذه الاستراتيجية أيضا اسم “استراتيجية الكشط” إذ تعني كشط (خفض) طبقات متتالية من السعر مع مرور الوقت. كيف يحدث ذلك؟ تستخدم استراتيجية التسعير “الكشط” عندما تطلق الشركة منتجًا أو خدمة للمرة الأولي وتضع سعرًا مبدئيًا أعلى ما يكون للعملاء الأوائل، لتعويض تكاليفها الكبيرة سريعًا قبل دخول منافسة جديدة.
بمجرد انضمام المزيد من المنافسين تخفض الشركة سعر المنتج لجذب قاعدة عملاء جدد أكثر اهتماما بالشراء بسعر أقل. من أبرز الأمثلة على استخدام هذه الاستراتيجية شركة Apple التي تطلق أجهزة iPhone بأسعار باهظة في البداية لتغطية تكاليف تطوير المنتج الجديد.
إذا كانت شركتك تتمتع بعلامة تجارية مرموقة، ستساعد هذه الاستراتيجية في الحفاظ على صورة العلامة التجارية وجذب العملاء الأوفياء الحريصين على أن يكونوا أول من يتمتع بتجربة المنتج الجديد حصريا. لكن قبل أن تفكر في تبني استراتيجية “الكشط” من المهم أن تعلم أنها مفيدة في سياقات معينة فقط.
على وجه التحديد عندما تضمن الشركة وجود عدد كاف من المشترين المحتملين الذين سيشترون المنتجبسعر مرتفع. بالإضافة إلى الاطمئنان إلى أن السعر الباهظ لن يقلده المنافسون. يجب أيضًا أن يكون خفض السعر ذا تأثير ضئيل على الأرباح. وأخيرًا لابد أن يتميز المنتج بمزايا حصرية وجودة مرتفعة.
يسود اللجوء إلى استراتيجية كشط السعر في سوق التكنولوجيا إذ تضع الشركات سعرًا مرتفعًا خلال المرحلة الأولى من دورة حياة المنتج، فمثلًا انخفض سعر جهاز الألعاب بلاي ستيشن 3 إلى الثلث على مدار عدة أعوام منذ بداية إنتاجه بعد ظهور أجهزة ألعاب أخرى منافسة Xbox 360 وWii.
تظهر هذه الاستراتيجية أيضا في سوق السيارات الفاخرة وسوق الكتب، حيث يُطرح الكتاب الجديد المصنوع من ورق مقوى بسعر مرتفع، وبعد أن يحقق مبيعات جيدة يتم طبعه لاحقًا في غلاف أقل جودة بسعر أقل بكثير من السعر الأول للعملاء الأكثر حساسية للسعر. وتحمل استرتيجية التسعير “الكشط” بعض التحديات تسويقية، إذ ينبغي منح تجار التجزئة هوامش ربح مرتفعة لإقناعهم بالترويج للمنتج باهظ السعر، كذلك يجب على المسوق التفكير والإعداد الجيد لكيفية الحديث عن الخصائص الفريدة للمنتج.
من ناحية ثانية ينبغي خفض السعر على مدى زمنى طويل مع إحداث تغييرات كبيرة في المنتج، بحيث لا يشعر المشترين الأوائل بالغبن والندم على استعجال الشراء وعدم انتظار خفض السعر بدرجة كبيرة، إذ تتسبب هذه المشاعر السلبية في غضب المشترين الأوائل حيال العلامة التجارية والشركة ككل.
4. اختراق السوق
على النقيض من استراتيجية التسعير “الكشط” تأتي استراتيجية “الاختراق”، التي تعني تسعير المنتج في البداية بسعر منخفض للحصول على حصة سوقية كبيرة سريعًا وبدء التسويق الشفهي. وتبني الاستراتيجية قوتها على أساس تحول العملاء إلى شراء المنتج الجديد بسبب سعره المنخفض.
غالبًا ما يرتبط اللجوء إلى هذا النوع من استراتيجيات التسعير بأهداف تسويقية مثل: توسيع الحصة السوقية واستغلال وفورات الحجم أو الخبرة. ويكون مناسبًا في جملة من الظروف المواتية، على رأسها مرونة طلب سعرية عالية للمنتج، وجود وفورات كبيرة في الحجم، السوق المستهدف كبير وبه نسبة طلب كافية، توقُع مواجهة منافسة شديدة بعد فترة قصيرة من إطلاق المنتج.
لاستراتيجية التسعير بالاختراق مميزات وعيوب، من بين المميزات مفاجئة المنافسين بالانتشار السريع بحيث لا يتاح وقت أمامهم للرد، كما أنها تصنع انطباعًا أوليًا إيجابيًا لدى شريحة العملاء الأوائل تشجعهم على توصية الآخرين بالمنتج. كذلك يفرض السعر المنخفض ضغوطًا للسيطرة على التكاليف مما يؤدي إلى خفضها من البداية وتزداد كفاءة استخدام الموارد، وأخيرًا يغلق الاختراق الباب أمام دخول منافس جديد للسوق.
على الناحية الأخرى، يعيب هذه الاستراتيجية أنها تضع توقعات طويلة الأجل وصورة ذهنية مستقرة عن المنتج يصعب في ظلها رفع السعر لاحقًا. تتمثل إحدى العلاجات الشائعة لهذا العيب في تحديد سعر أساسي مبني على السعر السائد في السوق على المدى الطويل، مع توفير قسيمة خصم للمرحلة الأولى من إطلاق المنتج. بهذه الطريقة يصبح السعر القياسي في أذهان العملاء مرتفعًا على الرغم من أن سعر البيع الفعلي منخفض.
إذا سبق لك شراء طابعة فأنت بالفعل شهدت إحدى أشكال استراتيجية الاختراق الذي يتدارك العيب السابق بطريقة أخرى، إذ يشيع تكتيك عالمي في شركات الطابعات وهو عرض الطابعة بسعر منخفض مع حبارات -غالبًا نصف ممتلئة- يكلف استبدال الواحدة منها ما يقرب من نصف ثمن الطابعة، وبالتالي تحقق الشركة أرباحًا من الحبارات أكثر مما تجنيه من بيع الطابعة نفسها.